فصل: قال ابن جزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال النسفي:

{والطور} هو الجبل الذي كلم الله عليه موسى وهو بمدين {وكتاب مُّسْطُورٍ} هو القرآن ونُكِّر لأنه كتاب مخصوص من بين سائر الكتب أو اللوح المحفوظ أو التوراة {فِى رَقّ} هو الصحيفة أو الجلد الذي يكتب فيه {مَّنْشُورٍ} مفتوح لا ختم عليه أو لائح {والبيت المعمور} أي الضراح وهو بيت في السماء حيال الكعبة وعمرانه بكثرة زواره من الملائكة.
رُوي أنه يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ويخرجون ثم لا يعودون إليه أبدًا.
وقيل: الكعبة لكونها معمورة بالحجاج والعمار {والسقف المرفوع} أي السماء أو العرش {والبحر المسجور} المملوء أو الموقد، والواو الأولى للقسم والبواقي للعطف، وجواب القسم {إِنَّ عَذَابَ رَبّكَ} أي الذي أوعد الكفار به {لَوَاقِعٌ} لنازل.
قال جبير بن مطعم: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكلمه في الأسارى فلقيته في صلاة الفجر يقرأ سورة الطور، فلما بلغ {إِنَّ عَذَابَ رَبّكَ لَوَاقِعٌ} أسلمت خوفًا من أن ينزل العذاب {مَالَهُ مِن دَافِعٍ} لا يمنعه مانع والجملة صفة ل (واقع) أي واقع غير مدفوع.
والعامل في {يَوْمٍ} {لَوَاقِعٌ} أي يقع في ذلك اليوم، أو اذكر {يَوْمَ تَمُورُ} تدور كالرحى مضطربة {السماء مَوْرًا وَتَسِيرُ الجبال سَيْرًا} في الهواء كالسحاب لأنها تصير هباء منثورًا {فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ الذين هُمْ في خَوْضٍ يَلْعَبُونَ} غلب الخوض في الاندفاع في الباطل والكذب ومنه قوله: {وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الخائضين} [المدثر: 45] ويبدل {يَوْمَ يُدَعُّونَ إلى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} من {يَوْمَ تَمُورُ} والدع: الدفع العنيف وذلك أن خزنة النار يغلون أيديهم إلى أعناقهم ويجمعون نواصيهم إلى أقدامهم ويدفعونهم إلى النار دفعًا على وجوههم وزخًا في أقفيتهم فيقال لهم {هذه النار التي كُنتُم بِهَا تُكَذّبُونَ} في الدنيا {أَفَسِحْرٌ هذا} {هذا} مبتدأ و{سِحْرٌ} خبره يعني كنتم تقولون للوحي هذا سحر أفسحر هذا يريد أهذا المصداق أيضًا سحر ودخلت الفاء لهذا المعنى {أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ} كما كنتم لا تبصرون في الدنيا يعني أم أنتم عمي عن المخبر عنه كما كنتم عميًا عن الخبر وهذا تقريع وتهكم.
{اصلوها فاصبروا أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ سَوَاء عَلَيْكُمْ} خبر {سَوَاء} محذوف أي سواء عليكم الأمران الصبر وعدمه بقوله: {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} لأن الصبر إنما يكون له مزية على الجزع لنفعه في العاقبة بأن يجازي عليه الصابر جزاء الخير، فأما الصبر على العذاب الذي هو الجزاء ولا عاقبة له ولا منفعة فلا مزية له على الجزع.
{إِنَّ المتقين في جنات} في أية جنات {وَنَعِيمٍ} أي وأي نعيم بمعنى الكمال في الصفة أو في جنات ونعيم مخصوصة بالمتقين خلقت لهم خاصة {فاكهين} حال من الضمير في الظرف والظرف خبر أي متلذذين {بِمَا ءاتاهم رَبُّهُمْ} وعطف قوله: {ووقاهم رَبُّهُمْ} على {فِي جنات} أي إن المتقين استقروا في جنات.
..
ووقاهم ربهم، أو على {آتاهم ربهم} على أن تجعل {ما} مصدرية والمعنى فاكهين بإيتائهم ربهم ووقايتهم {عَذَابَ الجحيم} أو الواو للحال و(قد) بعدها مضمرة يقال لهم {كُلُواْ واشربوا هَنِيئًَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} أكلًا وشربًا هنيئًا أو طعامًا وشرابًا هنيئًا وهو الذي لا تنغيص فيه {مُتَّكِئِينَ} حال من الضمير في {كُلُواْ واشربوا} {على سُرُرٍ} جمع سرير {مَصْفُوفَةٌ} موصول بعضها ببعض {وزوجناهم} وقرناهم {بِحُورٍ} جمع حوراء {عِينٌ} عظام الأعين حسانها {والذين ءامَنُواْ} مبتدأ و{أَلْحَقْنَا بِهِمْ} خبره {واتبعتهم} {وأتبعناهم} أبو عمرو {ذُرّيَّتُهُم} أولادهم {بإيمان} حال من الفاعل {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرّيَّتَهُمْ} أي نلحق الأولاد بإيمانهم وأعمالهم درجات الآباء وإن قصرت أعمال الذرية عن أعمال الآباء.
وقيل: إن الذرية وإن لم يبلغون مبلغًا يكون منهم الإيمان استدلالًا وإنما تلقنوا منهم تقليدًا فهم يلحقون بالآباء.
{ذُرّيَّتُهُم} {ذرياتهم} مدني {ذرياتهم} {ذرياتهم} أبو عمرو {ذرياتهم} {ذرياتهم} شامي {وَمَا ألتناهم مّنْ عَمَلِهِم مّن شَىْء} وما نقصناهم من ثواب عملهم من شيء.
{ألتناهم} مكي ألت يألِت ألتِ يألَت لغتان من الأولى متعلقة بألتناهم والثانية زائدة {كُلُّ امرىء بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ} أي مرهون فنفس المؤمن مرهونة بعمله وتجازى به.
{وأمددناهم} وزدناهم في وقت بعد وقت {بفاكهة وَلَحْمٍ مّمَّا يَشْتَهُونَ} وإن لم يقترحوا {يتنازعون فِيهَا كَأْسًا} خمرًا أي يتعاطون ويتعاورون هم وجلساؤهم من أقربائهم يتناول هذا الكأس من يد هذا وهذا من يد هذا {لاَّ لَغْوٌ فِيهَا} في شربها {وَلاَ تَأْثِيمٌ} أي لا يجري بينهم ما يلغي يعني لا يجري بينهم باطل ولا ما فيه إثم لو فعله فاعل في دار التكليف من الكذب والشتم ونحوهما كشاربي خمر الدنيا، لأن عقولهم ثابتة فيتكلمون بالحكم والكلام الحسن.
{لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ} مكي وبصري.
{وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ} مملوكون لهم مخصوصون بهم {كَأَنَّهُمْ} من بياضهم وصفائهم {لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ} في الصدف لأنه رطبًا أحسن وأصفى أو مخزون لأنه لا يخزن إلا الثمين الغالي القيمة، في الحديث: «إن أدنى أهل الجنة منزلة من ينادي الخادم من خدامه فيجيبه ألف ببابه لبيك لبيك» {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ} يسأل بعضهم بعضًا عن أحواله وأعماله وما استحق به نيل ما عند الله {قالواْ إِنَّا كُنَّا قَبْلُ} أي في الدنيا {فِى أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} أرقاء القلوب من خشية الله أو خائفين من نزع الإيمان وفوت الأمان، أو من رد الحسنات والأخذ بالسيئات {فَمَنَّ الله عَلَيْنَا} بالمغفرة والرحمة {ووقانا عَذَابَ السموم} هي الريح الحارة التي تدخل المسام فسميت بها نار جهنم لأنها بهذه الصفة {إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ} من قبل لقاء الله تعالى والمصير إليه يعنون في الدنيا {نَدْعُوهُ} نعبده ولا نعبد غيره ونسأله الوقاية {إِنَّهُ هُوَ البر} المحسن {الرّحيم} العظيم الرحمة الذي إذا عبد أثاب وإذا سئل أجاب.
{أَنَّهُ} بالفتح: مدني وعلي أي بأنه أو لأنه {فَذَكِّرْ} فاثبت على تذكير الناس وموعظتهم {فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبَّكَ} برحمة ربك وإنعامه عليه بالنبوة ورجاحة العقل {بكاهن وَلاَ مَجْنُونٍ} كما زعموا وهو في موضع الحال والتقدير لست كاهنًا ولا مجنونًا ملتبسًا بنعمة ربك.
{أَمْ يَقولونَ} هو {شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ المنون} حوادث الدهر أي ننتظر نوائب الزمان فيهلك كما هلك من قبله من الشعراء زهير والنابغة.
و {أم} في أوائل هذه الآي منقطعة بمعنى بل والهمزة {قُلْ تَرَبَّصُواْ فَإِنّى مَعَكُمْ مّنَ المتربصين} أتربص هلاككم كما تتربصون هلاكي {أَمْ تَأْمُرُهُمْ أحلامهم} عقولهم {بهذا} التناقض في القول وهو قولهم كاهن وشاعر مع قولهم مجنون وكانت قريش يدعون أهل الأحلام والنهي {أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} مجاوزون الحد في العناد مع ظهور الحق لهم، وإسناد الأمر إلى الأحلام مجاز {أَمْ يَقولونَ تَقولهُ} اختلقه محمد من تلقاء نفسه {بَلِ} رد عليهم أي ليس الأمر كما زعموا {لاَ يُؤْمِنُونَ} فلكفرهم وعنادهم يرمون بهذه المطاعن مع علمهم ببطلان قولهم وأنه ليس بمتقول لعجز العرب عنه وما محمد إلا واحد من العرب {فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ} مختلق {مّثْلِهِ} مثل القرآن {إِن كَانُواْ صادقين} في أن محمدًا تقوله من تلقاء نفسه لأنه بلسانهم وهم فصحاء {أم خُلِقُواْ} أم أحدثوا وقدروا التقدير الذي عليه فطرتهم {مِنْ غَيْرِ شَىْءٍ} من غير مقدر {أَمْ هُمُ الخالقون} أم هم الذين خلقوا أنفسهم حيث لا يعبدون الخالق.
وقيل: أخلقوا من أجل لا شيء من جزاء ولا حساب أم هم الخالقون فلا يأتمرون {أَمْ خَلَقُواْ السماوات والأرض} فلا يعبدون خالقهما {بَل لاَّ يُوقِنُونَ} أي لا يتدبرون في الآيات فيعلموا خالقهم وخالق السماوات والأرض.
{أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبّكَ} من النبوة والرزق وغيرهما فيخصوا من شاءوا بما شاءوا {أَمْ هُمُ المصيطرون} الأرباب الغالبون حتى يدبروا أمر الربوبية ويبنوا الأمور على مشيئتهم.
وبالسين: مكي وشامي.
{أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ} منصوب يرتقون به إلى السماء {يَسْتَمِعُونَ فِيهِ} كلام الملائكة وما يوحى إليهم من علم الغيب حتى يعلموا ما هو كائن من تقدم هلاكه على هلاكهم وظفرهم في العاقبة دونه كما يزعمون.
قال الزجاج: يستمعون فيه أي عليه {فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بسلطان مُّبِينٍ} بحجة واضحة تصدق استماع مستمعهم {أَمْ لَهُ البنات وَلَكُمُ البنون} ثم سفه أحلامهم حيث اختاروا لله ما يكرهون وهم حكماء عند أنفسهم {أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْرًا} على التبليغ والإنذار {فَهُم مّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ} المغرم أن يلتزم الإنسان ما ليس عليه أي لزمهم مغرم ثقيل فدحهم فزهدهم ذلك في اتباعك {أَمْ عِندَهُمُ الغيب} أي اللوح المحفوظ {فَهُمْ يَكْتُبُونَ} ما فيه حتى يقولوا لا نبعث وإن بعثنا لم نعذب {أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا} وهو كيدهم في دار الندوة برسول الله وبالمؤمنين {فالذين كَفَرُواْ} إشارة إليهم أو أريد بهم كل من كفر بالله تعالى {هُمُ المكيدون} هم الذين يعود عليهم وبال كيدهم ويحيق بهم مكرهم وذلك أنهم قتلوا يوم بدر، أو المغلوبون في الكيد من كايدته فكدته {أَمْ لَهُمْ إله غَيْرُ الله} يمنعهم من عذاب الله {سبحان الله عَمَّا يُشْرِكُونَ وَإِن يَرَوْاْ كِسْفًا مّنَ السماء ساقطا يَقولواْ سحاب} والكسف القطعة وهو جواب قولهم: {أَوْ تُسْقِطَ السماء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا} [الإسراء: 92] يريد أنهم لشدة طغيانهم وعنادهم لو أسقطناه عليهم لقالوا هذا سحاب {مَّرْكُومٌ} قدركم أي جمع بعضه على بعض يمطرنا ولم يصدقوا أنه كسف ساقط للعذاب.
{فَذَرْهُمْ حتى يلاقوا يَوْمَهُمُ الذي فِيهِ يُصْعَقُونَ} بضم الياء: عاصم وشامي.
الباقون بفتح الياء، يقال: صعقه فصعق وذلك عند النفخة الأولى نفخة الصعق {يَوْمَ لاَ يُغْنِى عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ} وإن لهؤلاء الظلمة {عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ} دون يوم القيامة وهو القتل ببدر والقحط سبع سنين وعذاب القبر {ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} ذلك.
ثم أمره بالصبر إلى أن يقع بهم العذاب فقال: {واصبر لِحُكْمِ رَبّكَ} بإمهالهم وبما يلحقك فيه من المشقة {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} أي بحيث نراك ونكلؤك.
وجمع العين لأن الضمير بلفظ الجماعة ألا ترى إلى قوله: {وَلِتُصْنَعَ على عَيْنِى} [طه: 39] {وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ حِينَ تَقُومُ} للصلاة وهو ما يقال بعد التكبير سبحانك اللهم وبحمدك، أو من أي مكان قمت أو من منامك {وَمِنَ الليل فَسَبّحْهُ وإدبار النجوم} وإذا أدبرت النجوم من آخر الليل وأدبار زيد أي في أعقاب النجوم وآثارها إذا غربت، والمراد الأمر بقول سبحان الله وبحمده في هذه الأوقات.
وقيل: التسبيح الصلاة إذا قام من نومه، ومن الليل صلاة العشاءين، وإدبار النجوم صلاة الفجر، وبالله التوفيق. اهـ.

.قال ابن جزي:

{والطور} هو الجبل الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام، وقيل: الطور كل جبل فكأنه أقسم بجنس الجبال {وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ} قيل: هو اللوح المحفوظ، وقيل: القرآن، وقيل: صحائف الأعمال {فِي رَقٍّ مَّنْشُورٍ} الرق في اللغة: الصحيفة، وخُصصت في العُرف بما كان من جلد، والمنشور خلاف المطوي {والبيت المعمور} هو بيت في السماء السابعة يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، ولا يعودون إليه أبدًا وبهذا عمرانه، وهو حيال الكعبة، وقيل: البيت المعمور: الكعبة وعمرانها بالحجاج والطائفين، والأول أظهر، وهو قول علي وابن عباس {والسقف المرفوع} يعني السماء {والبحر المسجور} هو بحر الدنيا، وقيل: بحر في السماء تحت العرش: والأول أظهر وأشهر، ومعنى المسجور: المملوء ماء، وقيل: الفارغ من الماء، ويُروى أن البحار يذهب ماؤها يوم القيامة، واللغة تقتضي الوجهين: لأن اللفظ من الأضداد، وقيل: معناه الموقد نارًا من قولك: سجرتُ التنور، واللغة أيضًا تقتضي هذا، ورُوي أن جهنم في الحبر {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} هذا جواب القسم، ويعني عذاب الآخرة.
{يَوْمَ تَمُورُ السماء مَوْرًا} أي: تجيء وتذهب، وقيل: تدور، وقيل: تتشقق، والعامل في الظرف واقع ودافع أو محذوف.
{الذين هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ} الخوض: التخبط في الأباطيل شُبِّه بخوض الماء {يَوْمَ يُدَعُّونَ} أي يدفعون بتعنيف، ويوم بدل من الظرف المتقدم.
{أَفَسِحْرٌ هذا}؟ توبيخ للكفار على ما كانوا يقولونه في الدنيا من أن القرآن سحر {أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ} توبيخ أيضًا لهم، وتهكم بهم أي هل أنتم لا تبصرون هذا العذاب الذي حل بكم كما كنتم في الدنيا لا تبصرون الحقائق؟
{فاصبروا أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ} ليس المراد بذلك الأمر بالصبر ولا النهي عنه، وإنما المراد التسوية بين الصبر وعدمه في أن كل واحد من الحالين لا ينفعهم، ولا يخفف عنهم شيئًا من العذاب {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} هذا تعليل لما ذكر من عذابهم، وليس تعليلًا للصبر ولا لعدمه كما قال بعض الناس.
{فَاكِهِينَ} يحتمل أن يكون معناه أصحاب فاكهة، فيكون نحو لابن وتامرٌ صاحب لبن وصاحب تمر أو يكون من الفكاهة بمعنى السرور {وَوَقَاهُمْ} معطوف على قوله: {فِي جَنَّاتٍ} أو على آتاهم ربهم، أو تكون الواو للحال {كُلُواْ واشربوا} أي يقال لهم: كلوا {هَنِيئًَا} صفة لمصدر محذوف تقديره: كلوا أكلًا هنيئًا، ويحتمل أن يكون وقع موقع فعل تقديره: هنأكم الأكل والشرب {بِحُورٍ عِينٍ} الحور: جمع حوراء وهي الشديدة بياض بياض العين وسواد سوادها، والعين جمع عيناء وهي الكبيرة العينين مع جمالها، وإما دخلت الباء في قوله: {بِحُورٍ} لأنه تضمن قوله: {وَزَوَّجْنَاهُم} معنى قرناهم، قاله الزمخشري وقال: {إِنَّ الذين آمَنُواْ} معطوف على {بِحُورٍ عِينٍ} أي قرناهم بحور للتلذذ بهن، وبالذين للأنس معهم. والأظهر أن الكلام تمّ في قوله: {بِحُورٍ عِينٍ} ويكون {والذين آمَنُواْ} مبتدأ خبره {أَلْحَقْنَا} عَذَابَ.
{والذين آمَنُواْ واتبعتهم ذُرِّيَّتُهُم} معنى الآية ما ورد في الحديث الشريف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يرفع ذرية المؤمن في درجته في الجنة، وإن كانوا دونه في العمل لتقر بهم عينه» فذلك كرامة للأبناء بسبب الآباء، قيل: إن ذلك في الأولاد الذين ماتوا صغارًا، وقيل: على الاطلاق في الأبناء المؤمنين، وبإيمان في موضع الحال من الذرية، والمعنى أنهم اتبعوا آباءهم في الإيمان، وقال الزمخشري: إن هذا المجرور يتعلق بألحقنا، والمعنى عنده بسبب الإيمان ألحقنا بهم ذريتهم، والأول أظهر، فإن قيل: لم قال بإيمان بالتنكير؟ فالجواب: أن المعنى بشيء من الإيمان لم يكونوا به أهلًا لدرجة آبائهم، ولكنهم لحقوا بهم كرامة للآباء، فالمراد تقليل إيمان الذرية ولكنه رفع درجتهم، فكيف إذا كان إيمانًا عظيمًا {وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ} أي ما أنقصناهم من ثواب أعمالهم بل وفينا لهم أجورهم، وقيل المعنى: ألحقنا ذريتهم بهم، وما نقصناهم شيئًا من ثواب أعمالهم بسبب ذلك، بل فعلنا ذلك تفضلًا زيادة إلى ثواب أعمالهم، والضمير على القولين يعود على الذين آمنوا، وقيل: إنه يعود على الذرية {كُلُّ امرىء بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ} أي مرتهن، فإما أن تنجيه حسناته، وإما أن تهلكه سيئاته.
{وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ} الإمداد هو الزيادة مرة بعد مرة.
{يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا} أي يتعاطونها إذ هم جلساء على الشراب {لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ} اللغو الكلام الساقط، والتأثيم: الذنب فهي بخلاف خمر الدنيا.
{غِلْمَانٌ لَّهُمْ} يعني خدامهم {كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ} اللؤلؤ الجوهر، والمكنون المصون، وذلك لحسنه وقيل: هو الذي لم يخرج من الصدف.
{قالوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ في أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} أي كنا في الدنيا خائفين من الله، والإشفاق شدة الخوف {السموم} أشد الحر وقيل: هو من أسماء جهنم {إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ} يحتمل أن يكون بمعنى نعبده، أو من الدعاء بمعنى الرغبة، ومن قبل يعنون في الدنيا قبل لقاء الله {إِنَّهُ هُوَ البر الرحيم} البر الذي يبرُّ عباده ويحسن إليهم، وقرأ نافع والكسائي أنه بفتح الهمزة على أن يكون مفعولًا من أجله، أو يكون هذا اللفظ هوالمدعو به وقرأ الباقون بكسرها على الاستئناف.